الكوسوفيون لا يعتبرون استقلالهم عملا ضد صربيا، بل امتداد لعملية تحلل يوغوسلافيا السابقة إلى مكوناتها الأولية، وهم بحديثهم هذا يحاولون احتواء ردة فعل الصرب من جهة، وتطويق – وهذا هو الأهم – ردّات فعل الداعمين الدوليين للصرب كروسيا واليونان من جهة ثانية.
من بين 43 دولة اعترفت حتى الآن بالدولة الفتية التي لا يزيد عدد سكانها عن مليونين ونصف المليون، لا توجد أي دولة عربية على الإطلاق، وثمة عدد قليل من الدول الإسلامية اعترف بكوسوفو، وقد كشف أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي أكلم الدين إحسان أوغلو عن ضغوط تعرض لها للحيلولة دون اعتراف المنظمة بالدولة الصغيرة من حيث مساحتها أيضا، أقل من 11 ألف كيلومتر مربع، وبما يعادل مساحة لبنان تقريبا.
لماذا لا يعترف العرب بكوسوفو، هل لأن استقلالها جاء ثمرة لتدخل أمريكي عسكري واسع، وهل الحكومات العربية مناهضة لواشنطن إلى هذا الحد...هل للأمر علاقة بضغوط روسية مورست على العرب، ومن قال بأن لروسيا مثل هذه "الدالة" على الدول العربية...هل عدم الاعتراف وقع – سهوا – أم أن الخارجيات العربيات منشغلات بقضايا أخرى أكثر أهمية.
لا ندري في الحقيقة لماذا لا يعترف العرب باستقلال كوسوفو، ولكننا نعرف أن واحدا من هذه الأسباب يتمثل في كون كوسوفو دولة صغيرة، فقيرة إلى جد كبير، 37 بالمائة من الكوسوفيين يعيشون تحت خط الفقر (أقل من دولارين في اليوم) ونسبة البطالة فيها تبلغ 40 بالمائة، ولا يبدو أن أي من الدول العربية تجد نفسها مهتمة بالاعتراف بهذه الدولة، بل وربما يؤثر كثير من الدول العربية التريث والانتظار، ظنا منه أن "كوسوفو المستقلة" ليست أمرا نهائيا على ما يبدو، وأن احتمالات العودة والنكوص ما زالت قائمة، وأن صفقات وتسويات دولية قد تفضي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
خلال اليومين الماضيين، كانت لنا حوارات مع نخبة من المثقفين الكوسوفيين الذين يزورون عمان، ولقد فوجئنا بحجم عتبهم وتساؤلهم عن الأسباب التي تدفع الأردن للتردد والتريث في الاعتراف بكوسوفو، وفي الحقيقة أنني أخذت على حين غرة بهذا السؤال، فأنا لا أعرف سببا وجيها يحول دون الاعتراف وتبادل العلاقات الدبلوماسية، ولا أحسب أن علاقاتنا مع روسيا بلغت حدا ترجيحيا يحول دون اتخاذ خطوة من هذا النوع كما يظن بعض أصدقائنا من كوسوفو، الذين أكدت لهم من جانب واحد، أن اعتراف الأردن بكوسوفو مسألة وقت، وربما وقت غير طويل، هكذا قرأت الموقف الأردني – من جانب واحد – ومن دون العودة للمصادر والمراجع المخوّلة وذات الصلة.